من كتاب العلامة / الشيخ محمد العثيمين رحمه الله .
( من مشكلات الشباب )
أقسام الشباب :
إذا نظرنا نظرة فاحصة في الشباب أمكننا أن نحكم من حيث العموم بأن الشباب ثلاثة أقسام :
شباب مستقيم ، وشباب منحرف ، وشباب متحير بين بين ..
أما الشباب المستقيم فهو : شباب مؤمن بكل ما تحمله هذه الكلمة من معني ، فهو مؤمن بدينه إيمان محب له ، ومقتنع به ، ومغتبط به ، يرى الظرف به غنيمة ، والحرمان منه خسراناً مبيناً .
شباب يعبد الله مخلصاً له الدين وحده لا شريك له . شباب يتبع رسوله محمداً صلي الله عليه وسلم في قوله وعمله ، فعلا وتركاً ، لأنه يؤمن بأنه رسول الله وأنه الإمام المتبوع .
شباب يقيم الصلاة علي الوجه الأكمل بقدر ما يستطيع ، لأنه يؤمن بما في الصلاة من الفوائد والمصالح الدينية والدنيوية ، الفردية والاجتماعية ، وما يترتب علي إضاعتها عواقب مخيمة للأفراد والشعوب .
شباب يؤتي الزكاة إلي مستحقيها كاملة من غير نقص ، لأنه يؤمن بما فيها من سد حاجة الإسلام والمسلمين مما اقتضي أن تكون به أحد أركان الإسلام الخمسة .
شباب يصوم شهر رمضان فيمتنع عن شهواته ولذاته إن صيفاً وإن شتاءُ ؛ لأنه يؤمن بأن ذلك في مرضاة الله فيقدم ما يرضاه ربه علي ما تهواه نفسه .
شباب يؤدي فريضة الحج إلي بيت الله الحرام ؛ لأنه يحب الله فيحب بيته والوصول إلي أماكن رحمته ومغفرته ، ومشاركة إخوانه المسلمين القادمين إلي تلك الأماكن .
شباب يؤمن بالله خالقه وخالق السموات والأرض ، لأنه يرى من آيات الله سبحانه ما لا يدع مجالا للشك والتردد في وجود الله . فيرى في هذا الكون الواسع البديع في شكله ونظامه ما يدل دلالة قاطعة علي وجود مبدعه وعلي كمال قدرته وبالغ حكمته ؛ لأن هذا الكون لا يمكن أن يوجد نفسه بنفسه ولا يمكن أن يوجد صدقة لأنه قبل الوجود معدوم والمعدوم لا يكون موجوداً لأنه هو غير موجود .
ولا يمكن أن يوجد صدفة ، لأنه ذو نظام بديع متناسق لا يتغير ولا يختلف عن السنة التي قدر له أن يسير عليها ) فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً ) ( فاطر: من الآية 43 ) ) مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُور * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ ) ( الملك: 4 ) .
وإذا كان هذا الكون علي نظام بديع متناسق امتنع أن يكون وجوده صدفة ؛ لأن الموجود صدفة سيكون انتظامه صدفة أيضاً ، فيكون قابلاً للتغيير والاضطراب في أي لحظة .
شباب يؤمن بملائكة الله ؛ لأن الله أخبر عنهم في كتابه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر عنهم في السنة . وفي الكتاب والسنة من أوصافهم وعباداتهم وأعمالهم التي يقومون بها لمصلحة الخالق ما يدل دلالة قاطعة علي وجودهم حقيقة .
شباب يؤمن بكتب الله التي أنزلها علي رسله هداية إلي الصراط المستقيم ؛ لأن العقل البشري لا يمكنه إدراك التفاصيل في مصالح العبادات والمعاملات .
شباب يؤمن بأنبياء الله ورسله الذين بعثهم الله إلي الخلق يدعوهم إلي الخير ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر ، لئلا يكون الناس علي الله حجة بعد الرسل . وأول الرسل نوح وآخرهم محمد عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام .
شباب يؤمن باليوم الآخر الذي يبعث الناس فيه أحياء بعد الموت ليجازوا بأعمالهم )فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ) ( الزلزلة:7-8 ) لأن ذلك نتيجة الدنيا كلها فما فائدة الحياة وما حكمتها إذا لم يكن للخلق يوم يجازى فيه المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته .
شباب يؤمن بالقدر خيره وشره ، فيؤمن بأن كل شيء بقضاء الله وقدره مع إيمانه بالأسباب وآثارها ، وأن السعادة لها أسباب والشقاء له أسباب .
شباب يدين بالنصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ، فيعامل المسلمين بالصراحة والبيان ، كما يحب أن يعاملوه بهما ، فلا خداع ولا غش ولا التواء ولا كتمان .
شباب يدعوا إلي الله علي بصيرة حسب الخطة التي بينها الله في كتابه : )ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) ( النحل: من الآية125 ) .
شباب يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر ؛ لأنه يؤمن أن في ذلك سعادة الشعوب والأمة )كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) ( آل عمران: من الآية110 ) .
شباب يسعى في تغيير المنكر علي النحو الذي جاء من رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( من رأى منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه )) .
شباب يقول الصدق ويقبل الصدق ، لأن الصدق يهدي إلي البر ، والبر يهدي إلي الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحري الصدق حتي يكتب عند الله صديقاً .
شباب يحب الخير لعامة المسلمين ؛ لأنه يؤمن بقول النبي صلي الله عليه وسلم : (( لا يؤمن أحدكم حتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه )) .
شباب يشعر بالمسؤولية أمام الله و أمام أمته ووطنه ، فيسعي دائماً لما فيه مصلحة الدين والأمة والوطن بعيداً عن الأنانية ، ومراعاة مصلحته الخاصة علي حساب مصلحة الآخرين .
شباب يجاهد لله وبالله ، يجاهد بالإخلاص له فلا رياء ولا سمعة ويجاهد بالله مستعيناً به غير معجب بنفسه ولا معتمد علي حوله وقوته ، ويجاهد في الله في إطار دينه من غير غلو ولا تقصير ، يجاهد بلسانه وبيده وماله حسبما تتطلبه حاجة الإسلام والمسلمين .
شباب ذو خلق ودين ، فهو مهذب الأخلاق ، مستقيم الدين ، لين الجانب رحب الصدر، كريم النفس ، طيب القلب صبور متحمل لكنه حازم لا يضيع الفرصة ولا يغلب العاطفة علي جانب العقل والإصلاح .
شباب متزن منظم يعمل بحكمة وصمت مع إتقان في العمل وجودة لا يضيع فرصة من عمره إلا شغلها بما هو نافع له ولأمته .
ومع أن هذا الشباب محافظ علي دينه وأخلاقه وسلوكه فهم كذلك بعيد كل البعد عما يناقض ذلك من الكفر والإلحاد والفسوق والعصيان والأخلاق السافلة والمعاملة السيئة .
فهذا القسم من الشباب مفخرة الأمة ورمز حياتها وسعادتها ودينها ، وهو الشباب الذي نرجو الله من فضله أن يصلح به ما فسد من أحوال الإسلام والمسلمين وينير به الطريق للسالكين ، وهو الشباب الذي ينال السعادة في الدنيا والآخرة .
أما القسم الثاني من الشباب :
فشباب منحرف في عقيدته متهور في سلوكه ، مغرور بنفسه ، منغمر في رفائله ، لا يقبل الحق من غيره ولا يمتنع عن باطل في نفسه ، أناني في تصرفه ، كأنما خلق الدنيا وخلقت الدنيا له وحده . شباب عنيد لا يلين للحق ولا يقلع عن الباطل .
شباب لا يبالي بما أضاع من حقوق الله ، ولا من حقوق الآدميين . شباب فوضوي فاقد الاتزان في تفكيره ، وفاقد الاتزان في سلوكه وفي جميع تصرفاته ، شباب معجب برأيه كأنما يجري الحق علي لسانه ، فهو عند نفسه معصوم من الزلل ، أما غيره فمعرض للخطأ وازلل مادام مخالفاً لما يراه .
شباب ناكب عن الصراط المستقيم في دينه ، وناكب عن التقاليد الاجتماعية في سلوكه ، ولكن قد زين له سوء عمله فرآه حسناً فهو من الآخرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا .
فهو شؤم علي نفسه ، ونكبة علي مجتمعه ، يجر أمته إلي أسفل السافلين ويحول بينها وبين العزة والكرامة ، جرثومة وبيئة قاتلة صعبة العلاج ، إلا أن يشاء الله ، والله علي كل شيء قدير .
والقسم الثالث من الشباب :
شباب حائر متردد بين مفترق الطرق عرف الحق وأطمأن به وعاش في مجتمع محافظ ، إلا أنه انفتحت عليه أبواب الشر من كل جانب . تشكيك في العقيدة ، وانحراف في السلوك ، وفساد في العمل وخروج عن المعروف من التقاليد ، وتيارات من الباطل متنوعة ، فهو في دوامة فكرية ونفسية ، وقف أمام هذه التيارات حيوان لا يدري هل الحق فيما حدث وجد من هذه الأفكار والمبادئ والمسالك ، أو فيما كان عليه سلفه الماضي ومجتمعه المحافظ ، فصار متردداً قلقاً يرجح هذا تارة وهذا أخرى .
فهذا القسم من الشباب سلبي في حياته ، يحتاج إلي جاذب قوي يقوده إلي حظيرة الحق وطريق الخير ، وما أيسر ذلك إذا هيأ الله له داعية خير ذا حكمة وعلم ونية حسنة .
وهذا القسم يكثر في شباب نالوا بعضاً من الثقافة الإسلامية لكنهم درسوا كثيراً من العلوم الكونية الأخرى التي تعارض الدين في الواقع أو في ظنهم فوقفوا حيارى أمام الثقافتين .
ويمكنهم التخلص من هذه الحيرة بالتركيز علي الثقافة الإسلامية وتلقيها من منبعها الأصلي الكتاب والسنة علي أيدي العلماء المخلصين وما ذلك عليهم بعزيز .
رحم الله العلامة واسكنه فسيح جناته وجمعنا به اللهم آمين